دور الذكاء الاصطناعي في دفع عجلة النمو الاقتصادي الشامل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

دور الذكاء الاصطناعي في دفع عجلة النمو الاقتصادي الشامل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

لم يعد من الممكن إنكار الأثر العميق الذي يتركه الذكاء الاصطناعي على المستويين الاجتماعي والاقتصادي عالمياً. وتزداد وتيرة النقاشات ودراسة الأدلة الواقعية على الدور التحويلي الذي تلعبه هذه التكنولوجيا في حياتنا اليومية وأماكن عملنا على حد سواء.

لقد شهدت هذا التحوّل شخصياً على امتداد العديد من القطاعات الحيوية مثل الخدمات اللوجستية، والرعاية الصحية، والقطاع المالي؛ حيث بات من الواضح أن الفوائد التي يقدمها الذكاء الاصطناعي لها قيمة حقيقية بالفعل، فقد أثبتت هذه التكنولوجيا قدرتها الكبيرة على أتمتة المهام، وتسريع العمليات البطيئة، وتحويل التعقيد إلى انسيابية وتنظيم، مما يساهم في تعزيز الكفاءة وتحسين الدقة وتحسين جودة اتخاذ القرارات.

لكن، بالرغم من المزايا الكبيرة التي يقدمها الذكاء الاصطناعي، لا تزال هناك مخاوف حقيقية تتعلّق بتأثيره على مستقبل الوظائف، إذ يخشى الكثيرون أن يؤدي اتساع نطاق الاعتماد على هذه التكنولوجيا إلى الاستغناء عن أدوارهم الوظيفية. وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لا تمرّ هذه المخاوف مرور الكرام، ولهذا السبب تبذل الحكومات في المنطقة جهوداً حثيثة لتحقيق التوازن بين المكاسب الإنتاجية التي يمكن الاستفادة منها عبر الذكاء الاصطناعي من جهة، وبين النمو الشامل من جهة أخرى، من خلال تمكين القوى العاملة وتزويدها بالمهارات اللازمة لمواكبة هذا التحوّل وخلق فرص عمل مستدامة.

ومن وجهة نظري، ينبغي النظر إلى الذكاء الاصطناعي كوسيلة لدفع النمو الاقتصادي الشامل، لا كأداة تهدف إلى سلب الوظائف من الناس.

وتتبنى حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة الدور المستقبلي للذكاء الاصطناعي بكل ثقة. فعلى سبيل المثال، أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة “حفظه الله”، مطلع العام الماضي عن تأسيس مجلس الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة، الذي يهدف إلى تطوير السياسات والاستراتيجيات المرتبطة بالأبحاث والبنية التحتية والاستثمار في مجالات الذكاء الاصطناعي وأحدث التطورات التقنية في إمارة أبوظبي.

وإلى جانب هذا المجلس، عيّنت دولة الإمارات وزيراً للذكاء الاصطناعي، كما أرست ملامح خارطة طريق وطنية طموحة من خلال “استراتيجية الإمارات الوطنية للذكاء الاصطناعي 2030”.

إيمان خالد المرزوقي

الرئيس التنفيذي لقطاع الخدمات المساندة

وفي خطوة تمثل نقلة نوعية حقيقية، أعلنت دولة الإمارات عن خططها لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في صياغة ومراجعة القوانين على المستويين الاتحادي والمحلي. وتأتي هذه المبادرة، بقيادة مكتب الذكاء الاصطناعي للاستخبارات التشريعية التنظيمية، بهدف رفع كفاءة ودقة التشريعات من خلال تحليل الأحكام القضائية ونتائج السياسات العامة1.

وفي الإطار ذاته، تم إطلاق شركة MGX للاستثمار في التكنولوجيا، بمشاركة كل من “مبادلة” وG42 كشريكين مؤسسين، لإدارة استثمارات بقيمة 100 مليار دولار في مشاريع الذكاء الاصطناعي. كما تركز دولة الإمارات بشكل كبير2 على البحث والتعليم في هذا المجال؛ فعلى سبيل المثال، قام مجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة في أبوظبي سلسلة من نماذج اللغة الضخمة المعروفة باسم “فالكون”، والتي تم دمجها ضمن منظومة الرعاية الصحية في الدولة، واعتمدتها أيضاً دول أخرى مثل صربيا وأوزبكستان والبرازيل3.

وتم حتى اليوم تنفيذ استثمارات كبيرة لدعم البنية التحتية للذكاء الاصطناعي؛ حيث أعلنت شركة الإمارات للاتصالات المتكاملة (دو) في دبي في أبريل 2025، عن شراكة مع “مايكروسوفت” لإنشاء مركز بيانات ضخم (هايبرسكيل) بقيمة تصل إلى ملياري درهم إماراتي (544.54 مليون دولار)، بهدف تعزيز البنية التحتية الرقمية في الدولة وترسيخ مكانتها كمركز عالمي للذكاء الاصطناعي4.

وتمثل هذه المبادرات المهمة دليلاً واضحاً على التزام دولة الإمارات اتجاه رؤيتها المستقبلية الواضحة في تبنّي تقنيات الذكاء الاصطناعي. كما تعكس في الوقت ذاته مكانة الذكاء الاصطناعي كعنصر رئيسي في بناء استراتيجيات النمو الاقتصادي المستقبلي، وخصوصاً على مستوى توفير فرص العمل الجديدة. ولعل في ذلك خير دليل على حجم الفرص الكامنة في هذا القطاع؛ إذ تشير تقديرات “برايس ووترهاوس كوبرز” إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يساهم بنسبة تصل إلى 14% من الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات بحلول عام 20305.

تولي دولة الإمارات أولوية خاصة لخلق أدوار وتخصصات جديدة للمهنيين في القطاعات الفرعية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، مثل التكنولوجيا الخضراء والتقنيات الصحية والتعليم الشخصي وحتى الروبوتات. وبالتوازي مع ذلك، تستثمر الدولة في برامج التعلم المستمر، بما يتيح للكوادر الوطنية الانتقال إلى وظائف جديدة، مع تركيز متزايد على المهارات الرقمية وتحليل البيانات وإدارة تطبيقات الذكاء الاصطناعي، إلى جانب المهارات الإنسانية الجوهرية مثل القيادة والإبداع والذكاء العاطفي.

وبرأيي، لا ينبغي أن يقتصر تبنّي الذكاء الاصطناعي على الحكومات فحسب، بل يجب أن تشارك الكيانات الاقتصادية الكبرى في هذا التوجه أيضاً. ومن هذا المنطلق، تبنّت شركة “ألفا ظبي” نهجاً مستقبلياً في التعامل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي. فنحن ندرك بأن الاستثمار في هذه التقنيات والارتقاء بمهارات القوى العاملة سيساهم في دفع عجلة النمو لكل من “ألفا ظبي القابضة”، وأيضاً لنمو إمارة أبوظبي ودولة الإمارات العربية المتحدة على حد سواء.

الذكاء الاصطناعي كشريك، لا كبديل
من هذا المنطلق، فإننا نعمل على توفير تدريبات متخصصة حول أدوات ومنصات الذكاء الاصطناعي في كافة أقسام المجموعة، ونشجّع على اعتماد ممارسات التخطيط المشترك بالاستفادة من المعلومات والتحليلات المستمدة من هذه التقنيات. كما نحرص داخل بيئة العمل على فتح حوارات بنّاءة حول الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي في مجالات الاستثمار، لنصل إلى قناعة جماعية مفادها أن هذه التقنيات تمثل أداة داعمة للإنجاز، وليست تهديداً لمستقبل الكفاءات.

وقد أثبتت شراكاتنا الأخيرة جدوى هذا التوجّه. فعلى سبيل المثال، تجسّد ذلك من خلال مشروعنا المشترك مع “أدنوك للحفر” تحت اسم “إنرسول”، حيث نوظّف تقنيات تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتقديم حلول طاقة ذكية تعزز الكفاءة التشغيلية وترتقي بمستويات السلامة وتدعم مساعي التنويع الاقتصادي. وبذلك، يكون الهدف دائماً موجهاً نحو التمكين والارتقاء بالمهارات، وليس استبدال الكوادر البشرية بالذكاء الاصطناعي.

ونحن متفائلون بأن المستقبل يحمل الكثير من الفرص الواعدة، وأن الذكاء الاصطناعي سيؤدي دوراً محورياً في دعم الاقتصاد والمجتمع، والأهم من ذلك: تمكين الإنسان.