الاستثمارات العالمية لأبوظبي تعزز الفرص الاقتصادية المحلية

الاستثمارات العالمية لأبوظبي تعزز الفرص الاقتصادية المحلية

امتازت كل من أبوظبي ودولة الإمارات العربية المتحدة عموماً ومنذ عهد طويل باستثماراتهما الهامة في الاقتصاد العالمي، حيث أشارت التقديرات واعتباراً من مطلع عام 2024 إلى بلوغ إجمالي قيمة الأصول الإمارتية، الحكومية أو الخاصة، في الخارج إلى نحو 2.5 تريليون دولار أمريكي، ويأتي نحو 72% منها من صناديق الثروة السيادية المختلفة في الدولة، لتتوزع هذه الاستثمارات على عدد من القطاعات الرئيسية المتنوعة.

وقد أسهم سجل أبوظبي الحافل في مجال الاستثمارات العالمية الاستراتيجية في تعزيز اقتصادات الدول الأخرى، كما أرسى دعائماً قويةً لاستقطاب الاستثمارات الخارجية، وذلك في ضوء تطلع مجتمع الأعمال العالمي إلى الاستفادة من وفرة الفرص المتاحة في اقتصاد أبوظبي القوي والمزدهر.

وحريٌ بنا أن نتأمل ونحن في العام 2024، بالأسباب الكامنة وراء جاذبية عروض أبوظبي للمستثمرين، إذ تعد الإمارة اليوم وبلا شك وجهة استثمارية عالمية رائدة ذات أهمية كبيرة، ويتعين أخذها في الاعتبار عند التفكير في الاستثمارات الناجحة والمستدامة، وذلك يعود إلى جملة من العوامل المهمة والمكملة في كثير من الأحيان.

تمتاز إمارة أبوظبي باقتصاد متنامٍ ومزدهر وحر ومتنوع، اقتصادٌ تدعمه رؤية استراتيجية وعملية تطوير هيكلية دائمة وسياسات نقدية ومالية مرنة، قادرة على مواجهة التقلبات الاقتصادية، ما يؤدي إلى نمو وتطور مستدامين.

ومع صعوبة التكهن باتجاه الاقتصاد العالمي الحديث والمُتسم بعدم الاستقرار، أصبحت أبوظبي الوجهة الرئيسية الآمنة للمستثمرين الدوليين، فإلى جانب تمتعها بموقع استراتيجي ملائم لازدهار الأعمال التجارية، إذ يبعد 33% من العالم مسافة 4 ساعات طيران فقط عن أبوظبي، ويمكن الوصول إلى 80% من العالم في رحلة لا تستغرق أكثر من 8 ساعات طيران، توفر الإمارة بنية تحتية متطورة عالمية المستوى مع إمكانيات هائلة لتكزن جسراً يربط أربع مناطق زمنية، ومن هنا تكمن جاذبية أبوظبي الفريدة وقدرتها على استقطاب كبرى الشركات العالمية لتتخذ من الإمارة مركزاً رئيسياً لها ومحطة انطلاق إلى العالم.

ديريك نيكلسون

الرئيس التنفيذي للاستراتيجيات وعلاقات المستثمرين

ولعل العامل الأساسي في قصة نجاح أبوظبي هو امتلاكها لأساسيات الاقتصاد القوي والمستدام، فوفقاً لتقرير “مركز الإحصاء − أبوظبي”، نما اقتصاد الإمارة 3.3% في الربع الأول من العام 2024 بالمقارنة مع الربع الأول من عام 2023. وجاء الارتفاع مدعوماً بزيادة قدرها 4.7% في الأنشطة الاقتصادية غير النفطية، والتي بلغت أعلى مستوياتها ربع السنوية عند 154.7 مليار درهم، ما يمثل أكبر مساهمة في الاقتصاد الكلي للبلاد، بنسبة بلغت 54.1% منذ العام 2015.

كذلك تتمتع أبوظبي برؤوس أموال مؤسسية قوية تقدر بنحو 1.3 تريليون دولار أميركي، وناتج محلي إجمالي حقيقي بلغ حوالي 310 مليار دولار أميركي في نهاية عام 2023، والذي يمثل 68% من الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات العربية المتحدة، وهذه من الأسباب التي جعلت الإمارة معروفة عالمياً باسم «عاصمة رؤوس الأموال».

عملت أبوظبي بجد لترسيخ مكانتها كمركز موثوق للشركات العالمية المبتكرة عبر قطاعات متعددة، وعمدت إلى بناء بيئة مزدهرة للشركات الناشئة، مدعومة بالتمويل والبنية التحتية الرقمية عالمية المستوى وشبكات التواصل والعلاقات والتعاون بين أطراف منظومة العمل، ونجحت الإمارة في استقطاب رأس المال البشري من المهرة والمتخصصين، حتى أصبحت وجهة جاذبة للاستثمارات العالمية، وأسهمت نجاحاتها في مجال الاستثمارات العالمية على نحو كبير في تحفيز وإطلاق أعمال جديدة وكبيرة في الإمارة.

ولكن أين تكمن أفضل الفرص للمستثمرين في أبوظبي اليوم؟ هناك الكثير من الفرص التي تقدمها أبوظبي للمستثمرين المؤهلين الذين يمتلكون التوجه أو العقلية المناسبة لتحقيق الاستفادة القصوى من الفرص المتاحة. ومن وجهة نظري، تزخر العديد من القطاعات بفرص مستقبلية واعدة، ما يؤكد على طرح أبوظبي القائل بأن “الاستثمار في أبوظبي هو استثمار في المستقبل”.

على سبيل المثال، تشكل الطاقة المتجددة قطاعاً رئيسياً للأنشطة الاستثمارية، حيث يُعد التزام الإمارة بالطاقة النظيفة هدفاً استراتيجياً وخارطة طريق نحو بناء اقتصاد مستدام ومتنوع، يحافظ على البيئة. وتشكل قطاعات الطاقة المتجددة والوقود البديل النظيف وتخزين الطاقة واحتجاز الكربون وتقنيات تخزين الطاقة الموفرة للطاقة مجالات مهمة للمستثمرين للتعاون من أجل إطلاق مشاريع ذات جدوى اقتصادية ممتازة في أبوظبي. وفي قطاع مصادر الطاقة التقليدية مثل النفط والغاز، نجد العديد من الفرص الاستثمارية أو التطويرية المتاحة في هذا المجال، ولطالما تبنت أبوظبي وعلى مدى عقود من الزمن، نهج الشراكة في مساعيها في مجال الطاقة، ما أثمر عن فرص هائلة للتعاون البنّاء محلياً.

ومع سعي الإمارة الحثيث إلى تحقيق أقصى استفادة من كل برميل نفط يتم إنتاجه، سواء من خلال تحسين الكفاءة في الإنتاج أو من خلال زيادة العوائد الاقتصادية أو الاستفادة من التقنيات الجديدة لزيادة القيمة المضافة من صناعة النفط، يقدم قطاع البتروكيماويات لديها عالماً من الفرص للمستثمرين، في حين تواصل الإمارة، عبر شركاتها الرئيسية، الاستثمار في محفظة منتجاتها النهائية وتوسيعها عبر تطوير مجمعات تكرير وبتروكيماويات شاملة ومتكاملة تقوم بجميع العمليات المرتبطة بتحويل المواد الخام إلى منتجات نهائية، ما يؤدي إلى زيادة نطاق وحجم منتجاتها النهائية عالية القيمة.

ومن القطاعات الأخرى ذات العائدات الاستثمارية المجدية والمثيرة للاهتمام، يأتي قطاع الضيافة والسياحة الغني بالإمكانات، ويساهم بتوفير أكثر من 300 ألف وظيفة، إذ تبلغ حجم استثمارات القطاع 7 مليارات دولار سنوياً. ومن المتوقع أيضا أن ينمو هذا القطاع بنسبة تزيد على 5% سنوياً خلال العقد المقبل، مقدماً فرصاً غنية وواعدة للشركات الطامحة إلى دخول هذا القطاع.

تتبوأ إمارة أبوظبي وبفضل ما تزخر به من خبرات هائلة ومعارف رائدة في إدارة موارد الغذاء والمياه، مكانة مميزة في إطلاق حلول مبتكرة في هذا المجال، وتسعى بالتعاون مع الشركاء الدوليين، إلى تقديم حلول للتحديات الكبيرة المتوقع أن تواجه العالم في مجالي الغذاء والماء خلال العقود الثلاثة المقبلة.

وأظهرت أبوظبي في جميع هذه القطاعات المتسارعة النمو عزماً ملفتاً والتزاماً بتوظيف واعتماد الذكاء الاصطناعي في بناء المستقبل، والذي انعكس في معدلات التبني المبكر لتقنيات الذكاء الاصطناعي في القطاعات الحكومية، وأيضاً في القطاعات التجارية العائدة للحكومة، ولعل أبرز مثال على ذلك، تبني سوق أبوظبي العالمي وهو المركز المالي الدولي، للذكاء الاصطناعي في صميم منظومة عمله.

كذلك الأمر في مجالات الحوكمة والتعليم والابتكار، إذ تزخر بفرص جديدة وواعدة للمستثمرين الدوليين، وسط توقعات لمؤسسة “برايس ووترهاوس كوبرز” العالمية المتخصصة في الاستشارات المالية والمحاسبية، بمساهمة الذكاء الاصطناعي بما يصل إلى 14% من الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات العربية المتحدة بحلول العام 2030.

غير أن الثابت الوحيد، مع تطلعنا إلى مستقبل أبوظبي المشرق ومشهد الاستثمار المزدهر فيها والقائم بشكل مطرد على التعاون، هو مضي الإمارة قدماً في دعم أصحاب الفكر الرائد والمبتكرين المميزين والشركات ذات التفكير الاستراتيجي المستقبلي، وسعيها الدؤوب لتسخير إرثها الاستثماري العالمي في تحفيز الاقتصاد الوطني ودعمه بالفرص.