لو عدنا بالزمن قليلاً إلى الوراء، وتحديداً قبل العام 2020، سنجد أن استخدام أموال صناديق الثروة السيادية الخاصة بدولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية لاستثمارها في الأسواق المتطورة من أبرز ما يثير اهتمام المعنيين في الأسواق المالية. وعلى الرغم من توجيه عائدات النفط نحو تطوير بنية تحتية متقدمة، إلا أن تدفقات رأس المال الأجنبي لم تتوسع بشكل كبير لتشمل قطاعات غير تقليدية، حيث استمرت الاستثمارات في التركيز بشكل رئيسي على قطاعات مثل العقارات والنفط والغاز.
واليوم، تشهد كل من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية تحولات اقتصادية هي الأكبر عبر مسيرة هاتين الدولتين اليافعتين، حيث شرع المستثمرون الأجانب بالتوافد بكثرة على المنطقة، وانتقلت العديد من المكاتب العائلية وصناديق التحوط إلى دولة الإمارات، وتم إنشاء مكاتب رئيسية إقليمية في الرياض للشركات المتعددة الجنسيات.
وكان لإصلاحات سوق رأس المال في كلا السوقين دور مهم في تشجيع هذا النشاط وزيادة الاستثمارات (وإن لم يتم تسليط الضوء عليها كثيراً)، حيث أسهمت التعديلات التنظيمية الأخيرة، في دولة الإمارات، في إرساء أسس لآلية أكثر مرونة لعمليات الإدراج والطرح العام الأولي. ويشكل الإدراج المزدوج، الأول من نوعه مؤخراً في كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة لشركة أمريكانا، مثالاً واضحاً على هذه المرونة، ويُظهِر مستويات عالية من العمق والتطور والنضج في كلا السوقين.
كما وفرت عملية الإدراج المباشر للشركات التي تطرح أسهمها مثل “ألفا ظبي القابضة” أو “بيور هيلث”، مساراً مرناً وأقل تعقيداً لإدراج أسهمها في سوق أبوظبي للأوراق المالية، مما أدى إلى زيادة الاهتمام بالشركات التي تتخذ من أبوظبي مقراً لها من قبل المستثمرين الأجانب، فعلى سبيل المثال تجاوز إجمالي الطلب على إدراج “بيور هيلث” 265 مليار درهم، وتم تغطية الاكتتاب 54 مرة لشريحة المستثمرين المؤسسيين و483 مرة لشريحة المستثمرين الأفراد.

خليل مسعود
الرئيس التنفيذي للاستثمار
بالإضافة إلى ذلك، أتاحت “هيئة الأوراق المالية والسلع” و”هيئة التسجيل في سوق أبوظبي العالمي” الفرصة للشركات التي تتخذ من سوق أبوظبي العالمي مقراً لها للإدراج في السوق المحلية، مما سمح بطرح عروض مرتبطة بالدولار الأمريكي ومكن عدد من شركات سوق أبوظبي العالمي مثل “فيرتيجلوب” و”أدنوك للغاز” و”أدنوك إل إن إس” من طرح أسهمها للجمهور مع اتباع معايير حوكمة وإدارة تستند إلى القانون الإنجليزي، مما يعزز من جاذبية السوق للاستثمارات والشركات الدولية.
ولعل أبرز ما يميز سوق دولة الإمارات هو أن هذه الإدراجات لا تقوم بها شركات كبيرة أو حتى ناشئة أو صغيرة أو متوسطة أو متعددة الجنسيات، ولكن في الغالب شركات مملوكة للدولة وأخرى عائلية، ما يدعم رؤية دولة الإمارات في السماح للمستثمرين الأجانب بالوصول إلى اقتصادها وتعزيز الاستثمارات الأجنبية والتي يعكس تناميها عملية تحول كبيرة نحو اقتصاد السوق المنفتح والتنافسي. وقد يجد المتابع من الخارج، النشاط الاقتصادي المزدهر في أبوظبي أو دبي متناقضاً بشكل كبير مع التباطؤ في الأسواق التقليدية المتقدمة، حيث أدت جملة من العوامل، بما في ذلك الصراع في أوكرانيا، والتضخم المرتفع المستمر، والأوضاع الجيوسياسية، والزيادة الكبيرة في أسعار الفائدة، إلى بروز تحديات وصعوبات في تنفيذ الصفقات المالية والاستثمارات في أسواق رأس المال في السنوات الأخيرة،
وقد أثرت هذه العوامل على حركة الأموال والمستثمرين في الأسواق المالية العالمية، كما عملت على تحفيز مجتمع المستثمرين الدوليين للتوجه وعلى نحو متزايد إلى دولة الإمارات وسوقها المزدهرة لتأسيس أعمالهم وتنميتها وإدراجها.
وتمضي دولة الإمارات قدماً بكل ما تزخر به من اقتصاد مرن ومتطور وسياسات تنظيمية محفزة، لتعزيز مكانتها كوجهة رائدة لرأس المال الاستثماري. وقد ظهرت بالفعل العديد من الهياكل والكيانات الجديدة مثل “شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة” (SPACs) أو نظام ميزانية أنشطة الشركة (“ABB”)، والتي من المتوقع أن تزيد من حجم السيولة والطلب على أسهم دولة الإمارات العربية المتحدة.